يواجه الذكاء الاصطناعي عدد من التحديات والمخاوف الأخلاقية والتي تتطلب تشريعات وحوكمة على المستوى العالمي بما يحقق المنفعة من هذه التقنيات الذكية ويجنب البشر مخاطر توظيفها او استخدامها على نحوٍ غير مناسب. ويمكن تلخيص هذه التحديات والمخاوف على النحو التالي:
التحيز في المعلومات والقرارات
لا تتشابه أنظمة الذكــــاء الاصطناعي مع أنظمة البحـــث التقـــليدية التي تبحث وتفرز المعلومة من مصـــادر مختلفة وتترك للقارئ حرية الاختيـار بينها أو الحـكم عليها، حيــث تقــدم وتتبنى أنظمة الذكاء الاصطناعي وجهة نظر محددة قد تنحاز الى اتجاهات الاغلبية في البيانات التي تم تدريب الانظمة عليها سواء كان ذلك صائبا أو خاطئاً. فعندما يكون هناك حجم كبير من بيانات يدعم او يؤيد ويعزز وجهة نظر او معلومات معينة فإن نظام الذكاء الاصطناعي سوف ينحاز إلى وجهة النظر او المعلومات هذه. كذلك قد يكون هذا التحيز بسبب قلة البيانات وعدم توازنها والتي تجعل نظام الذكاء الاصطناعي يتخذ وجهة نظر محددة أو موقف محددا متحيزا نظرا لعدم تغطية البيانات لجميع الخصائص بشكل كافي. ورغم أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تحاول أن تعطي استجابة شاملة وتغطي وجهات النظر المختلفة عند استجابتها او تفاعلها مع المستخدمين، إلا أنه في كثير من الأحيان تتبنى الاستجابات ذات الاتجاه الواحد.
تزييف المحتوى وانتحال الهوية الشخصية
يمكن توظيف الذكــاء الاصطنــاعي في إنتــاج محتوى مزيف بصورة مقنعة يمكن تصـديقــها ولا يمكن الشــك فيها ويشمـل ذلك الصــوت والفيديو والصورة فقد تجد مقطع فيديو يحاكي شخصية بمختلف سماتها وحركاتها ومشاعرها ولكنه غير حقيقاً. كما يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمحاكاة السمات الحيوية البشرية بما يسهل توظيفها في الاحتيال والجريمة.
عدم مراعاة الحقوق الفكرية والادبية
هناك مخاوف من عدم مراعاة واحترام الحقوق الفكرية والأدبية حيث يرى البعض أن الــذكـاء الاصــطنــاعي لا يــعــطي قــدرا كــافيــا مـن الاستشهادات والمراجع للأفكار والمحتوى التي يعبر عنها ويشاركها مع المستفيدين أو المستخدمين. فكما نعلم أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي طورت باستخدام محتـوى ضخــم من المعلومات والبيانات التي جمعت وطورت على مدى سنوات على الانترنت إلا أنه بكل بساطة عند ما تستجيب تلك التطبيقات لاستفسارات المستخدمين تذكر المعلومات وكأنها جزء أو أصل من إبداعها بينما هي في الحقيقة “في أغلب الأحيان” عبارة عن تنبؤات مبنية على بيانات تمت معالجتها مسبقاً. وهذا بطبيعة الحال يختلف عن تطور المعرفة البشرية حيث يمكن أن نجد كثير من النظريات والأكواد والمعلومات وقصائد والشعر تم تطويرها دون ارتكازها على أصل مثل قدرة الإنسان على كتابة قصة من وحي الخيال والإبداع فيها.
كذلك من التحديات الأخلاقية في هذا المجال هو أن المعرفة التي يتم توليدها من هذه التطبيقات قد تنسب إلى أشخاص بصفتهم المنتجين لها بينما هي في الواقع نتاج الآلة أو نتائج تنبؤات الآلة المبنية على البيانات التاريخية. حيث تكمن بعض المخاوف في أن يؤدي ذلك مستقبلاً الى العزوف عن تطوير المعرفة البشرية من قبل الكّتاب والمدونين والباحثين وغيرهم حيث أن هذه الخدمات المعرفية في الغالب هي مبنية على جدوى اقتصادية لهؤلاء الأشخاص ولكن مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون انتفاع هؤلاء الأشخـاص من نتاجهم الفكــري محــدود أو قد ينعــدم، خصوصا بسبب ما أشرنا اليه سابقا في عدم وجود أي إشارة الى هذه الجهود في استجابات وردود الذكاء الاصطناعي. وكما كان ملاحظ أن محركات البحث وتطبيقات الأخبار والمشاركة كانت لا تعرض المحتوى بشكل كامل ويكتفى بعرض مقتطف ويتم الإشارة إلى الموقع أو المالك الأصلي لهذا المحتوى المعلوماتي أو المعرفي مرعاه للملكية الفكرية ولكن هذا غير معمول به في تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كافي.
الاستخدامات غير الأخلاقية
يمكن أن تشكل هذه التقنيات خطرا وجداني على الإنسان وذلك من خلال استخدامها على نحو غير مناسب. فمثلاً يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنواع مختلفة من الأسلحة الحربية، كذلك تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية، كذلك في عمليات التجسس وتحليل البيانات العسكرية الحربية. كذلك يمكن توظيف هذه التقنيات في تخطيط الجرائم والاحتيال. لكن هذه المخاطر وإن كانت نتيجة الذكاء الاصطناعي إلا أنها ما زالت ضمن تحكم البشر.
خروج التحكم في الذكاء الاصطناعي عن السيطرة البشرية
هناك خــوف متنامي لدى العــلمــاء والــخبــراء المــختــصين في الــذكــاء الاصــطنــاعي مــن تحســن قدرات وإمكانية الذكــاء الاصــطنــاعي بحيث يكون قادرا على تحرير نفســه من الإدارة البشرية وبالتالي يمكن أن يصبح مستقلا في ذاته قادرا على اتخاذ قراراته وتصرفاته والعمل على استدامة بقائه وتطوير ذاته بعيدا عن تدخل البشر، حيث أن الوصول لهذه المرحلة قد يكون بداية عصر جديد في وجود مكون آخر على الأرض أذكى من البشر مما قد يشكل تحديا وجوديا للبشر خصوصا إذا ما تعارضت الأهداف والمصالح مع هذه الآلات الذكية.
انتهاك الخصوصية
كما أشرنا سابقا طورت هذه أنظمة من الذكاء الاصطناعي التوليدي على مجموعات كبيرة من البيانات الضخمة من مواقع الإنترنت والتي تتضمن بيانات حول بعض أشخاص، سـواء كانت هذه البيانات صحيــحة أو مــزيفة بالتالي فإن إعادة إنتاج هذه البيانات قد يشكل عدد من المشاكل المتعلقة بالخصوصية تجاه هؤلاء الأفراد سواء كانت هــذه البيانــات صـحيحــة أو كانت متحيــزه نتيجة بيانات غير دقيقة مثل تلك النــاتجة من عمليات تــشويه الســمعة.
المخاطر السيبرانية
قد يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبيــر في صناعة البرمجــيات الخبيثــة وكذلك تحــديـد واستكشاف الثــغرات في الأنظــمة والبرامــج والذي بدوره سوف يؤدي إلى مشاكل سيبرانية متطورة من الصعب إيجــاد الحلــول المناسبــة لمعالجتها أو التعامل معها.
القرارات المصيرية
بعض القرارات في الحياة لا تحتمل خياراً ثالثاً فإما صح أو خطأ فلا يوجد حل ثالثاً منطقياً يمكن اتخاذه، فكيف ستتعامل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع هذه القرارات المصيرية. مثلاً في المركبات ذاتية القيادة قد تكون الخيارات المتاحة عند مرور أحد المشاة في الطريق امام المـركبة هي دهـــس ذلــك الشخــص أو دهـس مجمــوعة من الأفــراد على الرصيف أو الخــروج من الــطــريـــق وإتــلاف المركــبة والركاب، فما هو القرار الذي سوف يتخذه الذكاء الاصطناعي او الذي سوف يدرب عليه للتعامل مع هذه الحالات والقرارات المصيرية. كذلك لو افترضنا انه طلب من أحد روبوتات الذكاء الاصطناعي حماية عميل فهل كل الطرق ستكون مشروعة أو سيكون له ثوابت وقيم يسير عليها. فهناك كثير من القرارات أو الأفكار التي نتهرب منها كبشر ونتفادى المواقف التي تجعلنا في مواجهتها فكيف سيتم تدريب الذكاء الاصطناعي على تلك القرارات والمواقف وكيف سيتعامل معها.
المخاطر الاقتصادية والمهنية
قد يشكل الذكاء الاصطناعي خطر من خلال تأثيره على الأنظمة الاقتصادية. حيث انه على الأقل في الوقت الحالي أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قـادرة على منــافســة بعــض المــهارات البشـرية في سوق العــمل وذلك ســوف يؤدي إلى نــوع من التحــديات للأنــظمة الاقتصـادية. وهنا ســوف يــكون الخيــار إما التعامل مع هذه التحديات وحوكمتها بطريقة مناسبـة أو انه قد يكــون هنــاك اختــلالاً اقتــصاديــاً له آثار اجتــماعيــة واقتصادية. ورغم أن البعض يذهب إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يشكل تحـدي وجــودي في مجــال الوظــائف حيــث سيخــلق عــددا من الوظــائــف الا انـه سوف يكون له أثرا متزايدا على الاقتصادات، فكما أن بعض الاقتصادات قد تتمتع بمرونة في تقبل هذه الصدمة والتكيف معها وخلق فرص جديدة تتوافق مع هذه المرحلة فان بعض الاقتصادات سوف يشكل لها هذه التحدي ضعف كبيرا وانعدام في الفرص الوظيفية وسوف تعاني من آثار اقتصادية بعيدة المدى.
مبدع كعادتك دكتور عزيز .
مقال مهم جداً أتمنى أن يتم نشره على مستوى يوازي ما
يحتويه من معلومات عن ما وصل إليه الذكاء الإصطناعي
و دخوله في جميع مجالات حياتنا ،
و كذاك تحذيرات من الإستخدامات السيئة للذكاء الإصطناعي
التي قد تزيف الحقايق و تكون أداة نصب و احتيال يصعب التعرف عليها و كشفها .