أثر الذكاء الإصطناعي على القدرات المعرفية والابداعية للبشر
مع التطور الكبير الذي تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واتجاه مجالات الأعمال إلى الاعتماد عليه في أداء عدد من الوظائف واستخدام الآلة في الحصول على المعرفة والقيام ببعض المهام الابداعية، يرى البعض أن ذلك سوف يؤثر بشكل سلبي مستقبلاً على الذكاء البشري والقدرات المعرفية والإبداعية خصوصاً اذا لم يتم معالجة ذلك في مراحل التعليم العام والجامعي من خلال سياسات وتشريعات تعمل على حوكمة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يدعم تطور الذكاء البشري ويعزز نمو القدرات المعرفية والابداعية للوصول الى إنسان معزز بالذكاء الاصطناعي وليس العكس في واقع يكون فيه ذكاء اصطناعي معزز بالبشر فمثلاً عند استخدام مختص التسويق تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإعداد عرض تقديمي حول موضوع معين، هل سوف يٌستخدم الذكاء الاصطناعي لإعداد عرض تقديمي مميز يسعى ويخطط له الإنسان، ام سوف يتم الاكتفاء بمقترحات الذكاء الاصطناعي والاعتقاد بها كمخرج مناسب وهذا يعني التسليم بقيادة الذكاء الاصطناعي واشرافه على الأنسان بدلا من ان يشرف عليه الأنسان ويوجهه، وهذا بدوره يقود الى مخاوف مثل انه ليس كل الناس لديهم القدرة على مجاراة الذكاء الاصطناعي معرفياً ومهارياً وبالتالي سوف يجدون انفسهم موجهون به يعملون وفق مقترحاته وتوجهاته وتوصياته.
على الجانب الأخر، يعتقد اخرون أن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي للقيام ببعض الأدوار المعرفية والإبداعية سوف يعزز ويدعم الذكاء البشري والقدرات المعرفية والإبداعية وينقل الأنسان الى مستويات عليا من التفكير، حيث سيكون الذكاء الاصطناعي اداة في يد الأنسان يوظفها كيف يشاء للوصول الى الإبداع والابتكار فهو يمكن أن يلعب دور المساعد الافتراضي الذي يختصر الكثير من الوقت والجهد في جمع وتهيئة وتحضير المعلومات الأولية التي يمكن ان يستخدمها الأنسان كأساس ينطلق منه للوصول الى مستويات اعلى من المعرفة والتفكير والابداع. فمثلاً، قد يساعد الذكاء الاصطناعي مبرمج التطبيقات في الوصول نسخة أولية من الكود البرمجي اللازم لبناء تطبيق معين في بضع دقائق بدلا من ساعات او ايام ليكون الأساس لبناء تطبيق متقدم يتجاوز قدرات الآلة اصلاً.
وقد ذكرت مجلة (nature) في ورقة بعنوان “لا يزال أفضل البشر يتفوقون على الذكاء الاصطناعي في مهمة التفكير الإبداعي التبايني”، أن الإبداع كان يُنظر إليه تقليديًا على أنه من القدرات الحصرية للبشر. ومع ذلك، أدى التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى ظهور عدد من روبوتات الدردشة الذكية القادرة على إنتاج أعمال فنية عالية الجودة، مما أثار تساؤلات حول الاختلافات بين الإبداع البشري والإبداع الآلي. وقد تضمنت هذه الورقة دراسة شملت عينة من 256 شخص، حيث تمت مقارنة إبداع البشر مع إبداع ثلاثة روبوتات دردشة ذكية من خلال منهجية مهمة الاستخدامات البديلة (ِAlternate Uses Task). وقد طُلب من المشاركين إنشاء استخدامات غير شائعة ومبدعة للأشياء اليومية. وكانت النتيجة، في المتوسط تفوقت روبوتات الدردشة الذكية على المشاركين من البشر. فبينما تضمنت الاستجابات البشرية أفكارًا رديئة الجودة، أنتجت روبوتات الدردشة عمومًا استجابات أكثر إبداعًا. ومع ذلك، لا تزال أفضل الأفكار البشرية تتطابق مع أو تتجاوز أفكار روبوتات الدردشة. وفي حين سلطت هذه الدراسة الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الإبداع، فإنها أكدت أيضًا على الطبيعة الفريدة والمعقدة للإبداع البشري الذي قد يكون من الصعب تكراره بالكامل أو تجاوزه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي [1].
[1] المصدر: مترجم بتصرف من (nature)
التحديات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي
يواجه الذكاء الاصطناعي عدد من التحديات والمخاوف الأخلاقية والتي تتطلب تشريعات وحوكمة على المستوى العالمي بما يحقق المنفعة من هذه التقنيات الذكية ويجنب البشر مخاطر توظيفها او استخدامها على نحوٍ غير مناسب. يمكن تلخيص هذه التحديات والمخاوف على النحو التالي:
1. التحيز في المعلومات والقرارات
لا تتشابه أنظمة الذكاء الاصطناعي مع أنظمة البحث التقليدية التي تبحث وتفرز المعلومة من مصادر مختلفة وتترك للقارئ حرية الاختيار بينها أو الحكم عليها، حيث تقدم وتتبنى أنظمة الذكاء الاصطناعي وجهة نظر محددة قد تنحاز الى اتجاهات الاغلبية في البيانات التي تم تدريب الانظمة عليها سواء كان ذلك صائبا أو خاطئاً. فعندما يكون هناك حجم كبير من بيانات يدعم او يؤيد ويعزز وجهة نظر او معلومات معينة فإن نظام الذكاء الاصطناعي سوف ينحاز إلى وجهة النظر او المعلومات هذه. كذلك قد يكون هذا التحيز بسبب قلة البيانات وعدم توازنها والتي تجعل نظام الذكاء الاصطناعي يتخذ وجهة نظر محددة أو موقف محددا متحيزا نظرا لعدم تغطية البيانات لجميع الخصائص بشكل كافي. ورغم أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تحاول أن تعطي استجابة شاملة وتغطي وجهات النظر المختلفة عند استجابتها او تفاعلها مع المستخدمين، إلا أنه في كثير من الأحيان تتبنى الاستجابات ذات الاتجاه الواحد.
2. تزييف المحتوى وانتحال الهوية الشخصية
يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى مزيف بصورة مقنعة يمكن تصديقها ولا يمكن الشك فيها ويشمل ذلك الصوت والفيديو الصورة فقد تجد مقطع فيديو يحاكي شخصية بمختلف سماتها وحركاتها ومشاعرها ولكنه غير حقيقاً. كما يمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمحاكاة السمات الحيوية البشرية بما يسهل توظيفها في الاحتيال والجريمة.
3. عدم مراعاة الحقوق الفكرية والادبية
هناك مخاوف من عدم مراعاة واحترام الحقوق الفكرية والأدبية حيث يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي لا يعطي قدرا كافيا من الاستشهادات والمراجع للأفكار والمحتوى التي يعبر عنها ويشاركها مع المستفيدين أو المستخدمين. فكما نعلم أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي طورت باستخدام محتوى ضخم من المعلومات والبيانات التي جمعت وطورت على مدى سنوات على الانترنت إلا أنه بكل بساطة عند ما تستجيب تلك التطبيقات لاستفسارات المستخدمين تذكر المعلومات وكأنها جزء أو أصل من إبداعها بينما في الحقيقة هي بعض الاحيان عبارة عن تنبؤات مبنية على بيانات تمت معالجتها مسبقاً. وهذا بطبيعة الحال يختلف عن تطور المعرفة البشرية حيث يمكن أن نجد كثير من النظريات الأكواد والمعلومات وقصائد والشعر تم تطويرها دون ارتكازها على أصل مثل قدرة الإنسان على كتابة قصة من وحي الخيال والإبداع فيها.
كذلك من التحديات الأخلاقية في هذا المجال هو أن المعرفة التي يتم توليدها من هذه التطبيقات قد تنسب إلى أشخاص بصفتهم المنتجين لها بينما هي في الواقع نتاج الآلة أو نتائج تنبؤات الآلة المبنية على البيانات التاريخية. حيث تكمن بعض المخاوف في أن يؤدي ذلك مستقبلاً الى العزوف عن تطوير المعرفة البشرية من قبل الكّتاب والمدونين والباحثين وغيرهم حيث أن هذه الخدمات المعرفية في الغالب هي مبنية على جدوى اقتصادية لهؤلاء الأشخاص ولكن مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي سيكون انتفاع هؤلاء الأشخاص من نتاجهم الفكري محدود أو قد ينعدم خصوصا بسبب ما أشرنا اليه سابقا في عدم وجود أي إشارة الى هذه الجهود في استجابات وردود الذكاء الاصطناعي. وكما كان ملاحظ أن محركات البحث وتطبيقات الأخبار والمشاركة كانت لا تعرض المحتوى بشكل كامل ويكتفى بعرض مقتطف ويتم الإشارة إلى الموقع أو المالك الأصلي لهذا المحتوى المعلوماتي أو المعرفي مرعاه للملكية الفكرية ولكن هذا غير معمول به في تطبيقات وأنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل كافي.
4. الاستخدامات غير الأخلاقية
يمكن أن تشكل هذه التقنيات خطرا وجداني على الإنسان وذلك من خلال استخدامها على نحو غير مناسب. فمثلاً يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنواع مختلفة من الأسلحة الحربية، كذلك تطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية، كذلك في عمليات التجسس وتحليل البيانات العسكرية الحربية. كذلك يمكن توظيف هذه التقنيات في تخطيط الجرائم والاحتيال. لكن هذه المخاطر وإن كانت نتيجة الذكاء الاصطناعي إلا أنها ما زالت ضمن تحكم البشر.
5. خروج التحكم في الذكاء الاصطناعي عن السيطرة البشرية
هناك خوف متنامي لدى العلماء والخبراء المختصين في الذكاء الاصطناعي من تحسن قدرات وإمكانية الذكاء الاصطناعي بحيث يكون قادرا على تحرير نفسه من الادارة البشرية وبالتالي يمكن أن يصبح مستقلا في ذاته قادرا على اتخاذ قراراته وتصرفاته والعمل على استدامة بقائه وتطوير ذاته بعيدا عن تدخل البشر، حيث أن الوصول لهذه المرحلة قد يكون بداية عصر جديد في وجود مكون آخر على الأرض أذكى من البشر مما قد يشكل تحديا وجوديا للبشر خصوصا إذا ما تعارضت الأهداف والمصالح مع هذه الآلات الذكية.
6. انتهاك الخصوصية
كما أشرنا سابقا طورت هذه أنظمة من الذكاء الاصطناعي التوليدي على مجموعات كبيرة من البيانات الضخمة من مواقع الإنترنت والتي تتضمن بيانات حول بعض أشخاص، سواء كانت هذه البيانات صحيحة أو مزيفة بالتالي فإن إعادة إنتاج هذه البيانات قد يشكل عدد من المشاكل المتعلقة بالخصوصية تجاه هؤلاء الأفراد سواء كانت هذه البيانات صحيحة أو كانت متحيزه نتيجة بيانات غير دقيقة مثل تلك الناتجة من عمليات تشويه السمعة.
7. المخاطر السيبرانية
قد يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في صناعة البرمجيات الخبيثة وكذلك تحديد واستكشاف الثغرات في الأنظمة والبرامج والذي بدوره سوف يؤدي إلى مشاكل سيبرانية متطورة من الصعب إيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها أو التعامل معها.
8. القرارات المصيرية
بعض القرارات في الحياة لا تحتمل خياراً ثالثاً فإما صح أو خطأ فلا يوجد حل ثالثاً منطقياً يمكن اتخاذه، فكيف ستتعامل تطبيقات الذكاء الاصطناعي مع هذه القرارات المصيرية. مثلاً في المركبات ذاتية القيادة قد تكون الخيارات المتاحة عند مرور أحد المشاة في الطريق امام المركبة هي دهس ذلك الشخص أو دهس مجموعة من الأفراد على الرصيف أو الخروج من الطريق وإتلاف المركبة والركاب، فما هو القرار الذي سوف يتخذه الذكاء الاصطناعي او الذي سوف يدرب عليه للتعامل مع هذه الحالات والقرارات المصيرية. كذلك لو افترضنا انه طلب من أحد روبوتات الذكاء الاصطناعي حماية عميل فهل كل الطرق ستكون مشروعة أو سيكون له ثوابت وقيم يسير عليها. فهناك كثير من القرارات أو الأفكار التي نتهرب منها كبشر ونتفادى المواقف التي تجعلنا في مواجهتها فكيف سيتم تدريب الذكاء الاصطناعي تلك القرارات والمواقف وكيف سيتعامل معها.
9. المخاطر الاقتصادية والمهنية
قد يشكل الذكاء الاصطناعي خطر من خلال تأثيره على الأنظمة الاقتصادية. حيث انه على الأقل في الوقت الحالي أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي قادرة على منافسة بعض المهارات البشرية في سوق العمل وذلك سوف يؤدي إلى نوع من التحديات للأنظمة الاقتصادية. وهنا سوف يكون الخيار إما التعامل مع هذه التحديات وحوكمتها بطريقة مناسبة أو انه قد يكون هناك اختلال اقتصاديا له آثار اجتماعية واقتصادية. ورغم أن البعض يذهب إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يشكل تحدي وجودي في مجال الوظائف حيث سيخلق عددا من الوظائف الا انه سوف يكون له أثرا متزايدا على الاقتصادات، فكما أن بعض الاقتصادات قد تتمتع بمرونة في تقبل هذه الصدمة والتكيف معها وخلق فرص جديدة تتوافق مع هذه المرحلة فان بعض الاقتصادات سوف يشكل لها هذه التحدي ضعف كبيرا وانعدام في الفرص الوظيفية وسوف تعاني من آثار اقتصادية بعيدة المدى.
دور الذكاء الاصطناعي في مجال الأعمال
يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً جوهريا في دعم بيئة الأعمال بما يسهم في تحسين العمليات المختلفة ويشمل ذلك دعم اتخاذ القرارات، وصنع السياسات، وتحسين الاداء ورفع الانتاجية وتحقيق اعلى مستويات في التنافسية.
يمكن أن يساهم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين الاداء ورفع مستوى الإنتاجية وتقليل التكاليف من خلال أتمته بعض المهام خصوصا المهام الروتينية التي تتطلب الكثير من الجهد والوقت بما يساعد الموظفين على التركيز على المهام والادوار الاكثر تعقيدًا والتي تتطلب حلولًا ابداعية. كما يمكن توظيف للذكاء الاصطناعي في أتمتة العمليات التشغيلية سواء بشكل جزئي او كامل، حيث يمكن ان يساهم ذلك في استمرار العمليات التشغيلية على مدار ٧/٢٤ وبتكاليف محدودة كما يمكن مراقبة سير تلك العمليات لحظيًا والتحقق من جودتها. هذا من شأنه تحقيق الكفاءة والجودة في العمل وتحسين مستويات الاداء والانتاجية وتقليل التكاليف بشكل فعال مقارنة بالطرق التقليدية في عمليات التشغيل.
كذلك يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي حلولًا مبتكرة تساعد في رفع جودة تجربة المستفيدين سواء كانوا عملاء، أو موظفين، أو موردين او غيرهم من شركاء الاعمال. فعلى سبيل المثال يمكن ان تكون تطبيقات المحادثة الفورية القائمة على معالجة اللغات الطبيعية الحل الاكثر كفاءة للإجابة على استفسارات وطلبات المستفيدين في الوقت المناسب على مدار ساعات اليوم خصوصًا عند ربط هذه التطبيقات بمستودعات البيانات المناسبة بحيث تشكل تلك البيانات مخزون معرفي يساعد هذه التطبيقات على تقديم الاستجابة المناسبة في الوقت المناسب. كذلك يمكن توظيف خوارزميات الذكاء الاصطناعي في بناء أنظمة التوصية للمنتجات والخدمات بما يلامس متطلبات واحتياجات المستفيدين في الظروف والتوقيت المناسبين.
بالإضافة يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي استخراج الانماط والرؤى من البيانات بشكل أسرع ودقة عالية بما يساعد في توفير معلومات يمكن أن تساعد متخذي القرار وصانعي السياسات، كما يمكن أن يلعب ذلك دوراً في تحليل المخاطر وإدارتها. كذلك يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالمتغيرات في قطاع الاعمال وكذلك الاتجاهات المستقبلية وربطها بالعوامل المختلفة، حيث يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي استكشاف العلاقات والانماط الدقيقة في البيانات بما يساهم في فهم وتفسير البيانات وربطها بالمتغيرات بطريقة فعالة وذلك بهدف تحقيق المنفعة والفوائد المرجوة من البيانات بأقصى حد ممكن.
البيانات الضخمة في شركة وول مارت Walmart
تعد شركة Walmart من أكبر شركات تجارة التجزئة في العالم فهي تدير أكثر من 11300 متجر بيع بالتجزئة في 27 دولة وتُشغل مواقع تجارة الكترونية في 10 دول. توظف حوالي 2.2 مليون شخص حول العالم، منهم 1.5 مليون في الولايات المتحدة وحدها.
قامت شركة Walmart ببناء أنظمة تقنية تقوم بمعالجة وتحليل البيانات الضخمة. حيث يغطي التحليل ملايين المنتجات وأكثر من 145 مليون عميل. ويقوم فريق تحليلات البيانات في شركة Walmart بتحليل حجم كبير من البيانات الجديدة او التاريخية بشكل يومي. وقد ساهم استخدام البيانات الضخمة في تحسين عملية صنع القرار في عملاق بيع التجزئة وكذلك في نمو العائدات وقد اتضح ذلك من خلال تحليل البيانات قبل استخدام تحليلات البيانات الضخمة وبعد استخدامها.
تمتلك Walmart قاعدة بيانات شاملة عن العملاء تصل إلى ما يقارب من 145 مليون عميل. تشمل هذه البيانات: ما يشتريه العميل، وأين يعيش، وما هي المنتجات التي تعجبه. وقد قام WalmartLabs بتطوير مايسمى الجينوم الاجتماعي (Social Genome)، وهو يعمل على تحقيق التكامل بين بيانات العملاء في Walmart وبيانات مواقع لتواصل الاجتماعي والويب وغيرها بهدف فهم احتياجات وتفضيلات العملاء بشكل أكبر. ويقوم فريق البيانات الضخمة بتحليل بيانات متاجر Walmart وبيانات الشراء عبر الإنترنت، وبيات التواصل الاجتماعي، وبيانات الأحداث المحلية، وبيانات الطقس وتأثيرها على أنماط الشراء وغير ذلك بواسطة خوارزميات متقدمة لاستخراج معلومات ورؤى مهمة.
تستخدم شركة Walmart تحليلات البيانات الضخمة (تنقيب البيانات) لاكتشاف الأنماط في البيانات للاستفادة منها. من الأمثلة على ذلك، خلال تحليل البيانات تم اكتشاف أن مبيعات بعض الأنواع من الفطائر تزايدت بنسبة 7 مرات قبل الأعاصير. وكنتيجة لذلك تقوم Walmart بوضع جميع أنواع هذه الفطائر عند نقاط الخروج قبل الأعاصير. كذلك من الأمثلة على استخدام تحليلات البيانات اللحظية اكتشف محللي البيانات في أحد مواسم أعياد الهالوين عدم بيع أي كمية من نوع مطلوب بشكل كبير من الكوكيز في متجرين من متاجر Walmart حيث تم البحث في المشكلة واتضح ان المنتج لم يوضع على الرفوف نتيجة خلل في إدارة المخزون حيث تم حل المشكلة بشكل سريع وتم تفادي كثير من الخسائر. ومن أهم استخدامات البيانات الضخمة في وول مارت Walmart التالي:
1. توفير منتجات جديدة، تحلل Walmart بيانات التواصل الاجتماعي للمعرفة المنتجات الشائعة والأكثر طلباً وشعبية على مستوى العالم بحيث يتم توفيرها في متاجرها.
2. أنظمة التوصيات، يقوم فريق تحليلات البيانات الضخمة باستخدام بيانات سجلات الشراء الخاصة بالعملاء لبناء أنظمة توصيات تستطيع تزويد العملاء بأفضل المقترحات والتوصيات حول مشترياتهم القادمة.
3. تحسين إدارة المخزون، تستخدم Walmart التحليلات التنبؤية لتحديد حجم الطلب للمتاجر المختلفة وذلك لتجنب المخزون الفائض وكذلك توفير المنتجات الأكثر طلباً.
4. إدارة التوزيع، تستخدم Walmart تحليلات البيانات المتقدمة لتحليل مسارات نقل المنتجات من رصيف الشحن الى المتجر وذلك بهدف تقليل التكاليف وتحديد أوقات التوصيل بدقة.
5. تحسين تشكيلة المنتجات على الرفوف، يقوم فريق البيانات الضخمة بتحليل البيانات للتحديد تفضيلات العملاء وأنماط التسوق في المتاجر وذلك بهدف تحسين عرض وتشكيلة المنتجات على الرفوف من حيث النوع والعلامة التجارية.
6. التسويق الشخصي، وذلك من خلال تحليل البيانات لتحديد رغبات واحتياجات العملاء ومن ثم استهدافهم من خلال إرسال بعض العروض الخاصة الى وسائل التواصل الخاصة بهم.
7. تحسين عملية الحساب والدفع، من خلال تحديد النوع المفضل للحساب هل هو الطريقة التقليدية من خلال الكاشير او أجهزة الحساب الذاتية. كذلك تحديد سلوك الطلب خلال اليوم وساعات الذروة لتحديد عدد العاملين في خدمة الكاشير بشكل دقيق.
8. محرك التوصية للهدايا (Shopycat)، يستخدم هذا المحرك بيانات الأصدقاء على موقع Facebook ليقترح لك هدايا مناسبة لهم مع توضيح سبب هذا الاقتراح.
المصادر: موقع Walmart , موقع Forbes
كيف تساهم البيانات الضخمة في تطوير قطاع البنوك
مثل قطاعات الأعمال الأخرى، البيانات الضخمة قد تساهم في التغلب على المشاكل التي يوججها قطاع البنوك ويمكن تلخيص أبرزها في الشكل التالي:
حيث يمكن للبنوك أن تستخدم البيانات الضخمة التي تجمعها من خلال خدماتها الإلكترونية لتنبو بمخاطر الأحتيال والمصادر المحتملة له وبالتالي يمكن توفير الحلول المناسبة للتصدي له. كما يمكنها تحليل مشاعر العملاء سواء من خلال تحليل البيانات التي يتم جمعها من خلال تقييم العملاء المباشر للخدمات والمنتجات أو من خلال تحليل البيانات المتوفرة من خلال أطراف أخرى مثل وسائل التواصل الإجتماعي او مواقع التقييم والتصنيف المالية. مما قد يكون له أثر كبير في الوصول الى رضا العميل.
“أكثر من 25٪ من المؤسسات المالية تستخدم تحليل البيانات الضخمة للبقاء في الطليعة.”
IBM survey
بالإضافة الى ذلك، يمكن تحليل بيانات العملاء للوصول الى فهمهم بشكل أكبر حيث يمكن إستهدافهم بالخدمات والمنتجات التمويلية المناسبة التي تلبي احتياجاتهم وتشبع رغباتهم. كما يمكن إستخدام تلك البيانات لتحديد الجمهور المناسب لعمليات التسويق. حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال تقسيم العملاء الى شرائح معينة بناءً على الأصول التي يمتلكونها او معاملاتهم او العمليات المالية التي يقومون بها، فمثلاً يمكن تصنيفهم بناء على اصولهم من العقارات، الأستثمار في العملات أو الأسهم، استخدام الخدمات الإلكترونية. حيث يتم استهداف العملاء بالحملات الترويجية والتسويقية وفقًا لشرائحهم وكذلك يمكن تصميم منتجات وخدمات تلبي رغباتهم . كذلك يمكن الذهاب ابعد من ذلك في مجال التسويق من خلال استخدام التسويق الشخصي بدلاً من التسويق القائم على الشريحة. حيث يقوم التسويق الشحصي على فهم الأحتياجات والعادات الشرائية الفردية للعملاء ومن ثم استهدافهم بالمنتجات والخدمات المناسبة لهم.
كما يمكن توضيف البيانات الضخمة في إدارة المخاطر، حيث يمكن يمكن أن تساهم في تحسين القدرة التنبؤية لنماذج المخاطر وزيادة دقتها وموثوقيتها وهذا بدوره سوف يساهم في توفير كبير في التكاليف. بالتالي في ضل نمو الطلب وتزايد التعقيدات، القدرة على والوصول إلى البيانات الضخمة واستخدامها سيلعب دوراً هاماً في نجاح إدارة المخاطر.
“الوقت أمر بالغ الأهمية في عالم إدارة المخاطر الجديد. فكلما كانت ردة الفعل تجاه الخطر أسرع ، كانت لديك ميزة تنافسية”
Jason Hill, Executive Partner – Reply
بالتالي القدرة على التعامل مع البيانات الضخمة وتحليلها في اطار زمني محدد يلعب دوراً محورياً في فعاليتها في إدارة المخاطر. كذلك، قد تساهم تقنيات البيانات الضخمة في تطوير نماذج يمكن استخدامها بشكل يومي من قبل موظفي إدارة المخاطر لإتخاذ القرارات المناسبة.
بدأت الكثير من البنوك والمؤسسات المالية في استثمار وتوضيف البيانات الضخمة لتحسين فرصها في السوق والحصول على مميزات تنافسية حيث أسست إدارات ووحدات متخصصة في إدارة البيانات الضخمة وتحليلها وهذا يتطلب زيادة الاستثمارات في تكنولوجيا مراكز البيانات بالإضافة إلى زيادة استقطاب الموظفين ذوي المهارات العالية في مجال البيانات الضخمة.
* المصادر:
- موقع Allerin
- موقع Ingram Micro Advisor
- موقع BBN TIMES
- موقع Reply
جودة البيانات الضخمة
البيانات الضخمة ليس عصا سحرية لتحسين تجارتك، تطوير شركتك أو تحويل فشلك الى نجاح. هي موارد يمكن توظيفها والتعامل معها بإحترافية للحصول على نتائج إيجابية مذهلة قد تساعدك على فهم المستقبل وإدارة أعمالك بشكل أبداعي.
لكن، عندما نتعامل مع البيانات الضخمة فأننا نواجه عدد من التحديات والمعوقات ولعل جودة البيانات (quality of data) واحدة من أهمها. فالبيانات الرديئه حتى وأن أستخدمت معها أفضل أساليب التحليل قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فكم هو مخيف أن تُجمع بيانات خاطئة عن موضوع معين، ويزداد هذا الخوف عندما تبنى القرارات المصيرية على نتائج تحليل مثل هذه البيانات.
″ البيانات الرديئة تكلف الولايات المتحدة 3 تريليون دولار في السنة.“
harvard business review, 2016
في عصر التقنية المتسارع، أصبح لدينا كميات هائلة من البيانات الضخمة والتي تأتي من عدة مصادر مثل مواقع الخدمات الإلكترونية، مواقع التواصل الإجتماعي، التلفزيونات الذكية، إجهزة الإستشعار وغيرها.
وهذا يعني أن التحدي الحقيقي هو كيفية استخلاص البيانان المفيدة من كل هذه الضوضاء. حيث يمكن معالجتها للحصول على معلومات ذات قيمة. هناك عدة خصائص تؤثر في جودة البيانات، من أهمها:
- التجانس (Consistency): يجب أن يكون هناك علاقات منطقية بين البيانات المترابطة وأن لايكون هناك إزدواجية او تناقضات.
- الدقة (Accuracy): البيانات يجب أن تكون دقيقة وتعكس الواقع الحقيقي للأمور والأشياء.
- الإكتمال (Completeness): يجب ان تحوي البيانات جميع العناصر المؤثرة في المشكلة المراد دراستها.
- القدرة على تدقيقها (Auditability): يجب تنظيم البيانات بشكل مناسب بحيث يمكن فحص جودتها بشكل دوري أو عند الحاجة.
- الترتيب (Orderliness): يجب ترتيب البيانات بشكل معين يراعي صيغة (format) وهيكل (structure) البيانات.
”أن البيانات ذات الجودة الضعيفة هي السبب في فشل ما يصل إلى 50٪ من أنظمة إدارة علاقات العملاء.“
Gartner, 2004
على كل حال هناك بعض الاساليب والخطوات التي قد تساعد على تحسين جودة البيانات الضخمة وتقليل المخاطر المتعلقة بالبيانات الرديئة وهي:
- تنميط البيانات (Data Profiling): نحتاج للتحقق من صحة البيانات.
- تطبيع البيانات (Data Normalization): البيانات قد تأتي من مصادر مختلفة وقد تحوي نماذج لغويه مختلفة لذلك فإن تطبيع البيانات مهم.
- إدارة البيانات الوصفية (Metadata Management): هذا يساعد في توحيد المعايير المتعلقة بالبيانات داخل المؤسسة او الشركة.
- جدار حماية جودة البيانات (Data Quality Firewall): البيانات لها دور مهم ومحوري في رسم أستراتيجية الشركة او المؤسسة وهي تساوي قيمة مالية ضخمة. لذا، يهدف جدار حماية جودة البيانات الى أبقاء البيانات خالية من الأخطاء وكذلك تجنب التكرار.
* المصادر:
- موقع Science soft
- موقع Allerin
- موقع harvard business review
من هو عالم البيانات وكيف يمكنني أن أصبح واحدا؟ (مترجم)
حالياً، هناك عجز في علماء البيانات – حيث أن الشركات تبحث عن المبرمجين والمفكرين التحليلين لسد هذه الفجوة.
إن ظهور البيانات الضخمة – وهي المصطلح الذي يستخدم لوصف مجموعات البيانات الكبيرة جدا والمتباينة والمتكاثرة التي لا تستطيع تطبيقات معالجة البيانات التقليدية التعامل معها – أدى إلى تزايد الحاجة إلى المهنيين المهرة الذين يمكنهم تنقيب وتفسير البيانات لمساعدة الشركات على اتخاذ القرارات الاستراتيجية بشكل أفضل.
ومن المتوقع أن تخلق بريطانيا ما متوسطه 56 ألف وظيفة في مجال البيانات الضخمة سنويا حتى عام 2020. مع العجز في المواهب المتخصصة في مجال البيانات الضخمة، الشركات على استعداد متزايد لدفع رواتب عالية من أجل جلب المهارات المناسبة، من خلال توظيف العديد من الأفراد ذوي الرواتب العالية. حيث ذكرت McKinsey & Company أنه بحلول عام 2018، سيكون هناك 140000-190000 وضيفة عالم بيانات شاغرة. والأسوأ من ذلك (بالنسبة لأرباب العمل)، سيكون هناك حاجة الى 1.5 مليون أداري لتحسين البيانات المتوفرة. لذلك، تشكل السنوات الثلاث القادمة منجم ذهب حقيقي لعلماء البيانات.
ولكن ما الذي يفعله عالم البيانات بالضبط؟ وما هي المهارات التي تحتاجها لتضع قدمك على هذا الباب؟
من هو عالم البيانات؟
عالم البيانات يأخذ البيانات الخام ويزاوجها مع التحليل ليجعلها سهلة الوصول وأكثر قيمة للمؤسسات. للقيام بذلك، فإن علماء البيانات يحتاجون إلى مزيج فريد من المهارات – أساس متين في الرياضيات والخوارزميات وفهم جيد للسلوكيات البشرية، وكذلك معرفة وفهم القطاعات التي يعملون فيها، لوضع النتائج في السياق. من هنا، يمكنهم استكشاف رؤى من البيانات والبدء في تحديد الاتجاهات.
قطاعات التمويل وتجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية رائدة في توظيف علماء البيانات لمساعدتهم على فهم مجموعات مختلفة من الجمهور ليتم استهدافهم بالمنتجات والعروض المناسبة لأذواقهم. وكذلك، يتم إحراز تقدم أيضا في قطاعات مثل الاتصالات والنقل والنفط والغاز، حيث تعتمد الكثير من الشركات على البيانات الضخمة لاتخاذ القرارات التي تؤثر على مبيعاتها وعملياتها وقواها العاملة.
ما هي المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل؟
يحتاج المرشح الناجح إلى مزيج مما يلي:
مهارات تقنية
لغات البرمجة الأكثر شيوعا والمستخدمة في تطبيقات البيانات الضخمة هي جافا، بايثون، C و R. الفهم الجيد لبعض هذه اللغات سوف يكون مطلوب لمعظم مناصب المستويات المبتدئة. بالنسبة لقواعد البيانات الضخمة، هناك نمو كبير في استخدام Hadoop وMongoDB، لذلك تعلمها سوف يجعلك في وضع جيد.
على الرغم من أن هذه هي بعض التقنيات الأساسية، وهناك عدد كبير من الأدوات المتخصصة يتم إدخالها أيضا إلى السوق كل عام. اعتمادا على تجربتك واهتماماتك، يمكنك البدء باختيار مجالات واسعة مثل قواعد البيانات، والنمذجة التحليلية وأدوات التصور ومن ثم التركيز على واحدة أو اثنتين من اللغات الرائدة والمنصات. أما بالنسبة للمناصب العليا، فسوف يبحث أصحاب العمل عن خلفية تقنية قوية ومعرفة مهنية من خلال مجموعة من المهارات التقنية.
مهارات تحليلية
في حين أن المهارات التقنية مهمة، إلا أن المهارات التحليلية ذات أهمية حاسمة لنجاحك كعالم بيانات. تحتاج أن تكون قادر على اخذ البيانات الخام وتحديد الأهداف المربحة لقطاع الأعمال، ثم وضع التحليل في السياق لإيجاد حل والتوصل إلى توصيات يمكن تقديمها لفريق العمل. التعامل مع واحدة على الأقل من القطاعات الصناعية ايضاً يعطي ميزة إضافية هنا فهو يتيح لك تحليل مشاكل العالم الحقيقي.
مهارات العرض
بطبيعة الحال، إذا لم يكن من الممكن عرض النتائج على أصحاب المصلحة بوضوح، فليس هناك الكثير من الأسباب لقضاء الوقت في القيام بالتحليل. سيقوم عالم البيانات الناجح بتقديم المعلومات بفعالية وأيضا الاستماع إلى متطلبات أصحاب المصلحة وفهم حقا ما هي مشاكل قطاع الأعمال أولا، من أجل حلها.
ما يمكن توقعه في المقابلة الشخصية
سوف يبحث الشخص الذي يجري المقابلات عن أفراد لديهم “عقلية بيانات ضخمة” وقد يعطيك عينه من المشاكل ليقيم كيف تفكر وتعرض الحلول. وسوف يبحث بعد ذلك عن كيفية استخدام تقنيات البيانات الضخمة لحل المشاكل. في حين أن المهارات والخبرات مهمة، فإن الشخص الذي يجري المقابلة سوف ينظر أيضا في عمليات التفكير الخاص بك، وكيف تتعامل مع كل حالة، لتقييم ما إذا كان لديك العقلية المطلوبة لهذا الدور.
مستقبل علم البيانات
تتوافر تكنولوجيات قواعد البيانات حيث يكون الكثير من الابتكار، حيث تم استبدال قواعد البيانات التقليدية بعروض جديدة من لاعبين في وادي السيليكون في السنوات الأخيرة. مع التركيز كثيرا على هذا المجال، ليس هناك وقت أفضل من هذا لعلماء البيانات.
*هذه ترجمة بتصرف من المقال الأصلي للكاتب Bhoopathi Rapolu والمنشور على موقع theguardian
كيف يمكن للبيانات الضخمة (Big data) تغير الرعاية الصحية (مترجم)
إذا كنت ترغب في معرفة كيف يمكن أن تساعد البيانات الضخمة في جعل العالم مكانا أفضل، ليس هناك مثال أفضل من استخداماتها في مجال الرعاية الصحية.
وقد شهد العقد الماضي تقدما كبيرا في كمية البيانات، فنحن نولد بشكل روتيني ونجمع إلى حد كبير كل ما نقوم به، فضلا عن قدرتنا على استخدام التكنولوجيا لتحليله وفهمه. إن تقاطع هذه الاتجاهات هو ما نسميه “البيانات الضخمة” وهي تساعد قطاع الأعمال في كل صناعة على أن يصبح أكثر كفاءة وإنتاجية.
الرعاية الصحية ليست مختلفة. فبالإضافة إلى تحسين الأرباح وتقليل النفقات العامة المبددة، يتم استخدام البيانات الضخمة في مجال الرعاية الصحية للتنبؤ بالأوبئة وعلاج الأمراض وتحسين نوعية الحياة وتجنب الوفيات التي يمكن منعها. ومع ازدياد عدد سكان العالم والأشخاص الذين يعيش فترة أطول، تتغير بسرعة نماذج تقديم العلاج، كما أن العديد من القرارات التي تقف وراء هذه التغييرات تدفعها البيانات. إن القيادة الآن هي أن نفهم أكبر قدر ممكن عن المريض قدر الإمكان، في وقت مبكر من حياته قدر الإمكان – على أمل أن نلتقط علامات التحذير من الأمراض الخطيرة في مرحلة مبكرة بما فيه الكفاية حيث يكون العلاج أبسط بكثير (وأقل تكلفة) مما لو لم يتم رصدها حتى وقت لاحق.
حتى نأخذ رحلة خلال البيانات الضخمة في مجال الرعاية الصحية، دعونا ننطلق من البداية – قبل أن مرحلة المرض حتى.
الوقاية خير من العلاج
الهواتف الذكية كانت مجرد بداية. مع التطبيقات التي يمكن أن تستخدم كعدادات لقياس مدى المشي في اليوم الواحد، وكعدادات للسعرات الحرارية لمساعدتك على التخطيط لنظامك الغذائي، الملايين منا يستخدمون الآن تكنولوجيا الهاتف النقال لمساعدتهم في أن يعيشون أنماط حياة صحية. في الآونة الأخيرة، ظهرت أجهزة يمكن ارتداؤها مثل Fitbit, Jawbone and Samsung Gear Fit التي تسمح لك بتتبع التقدم الخاص بك وتحميل بياناتك ليتم تجميعها جنبا إلى جنب مع اي شخص آخر.
في المستقبل القريب جدا، قد يمكنك أيضا مشاركة هذه البيانات مع طبيبك الذي سيستخدمها كجزء من أدوات التشخيص الخاصة به عندما تزوره مريضاً. حتى لو لم تكن تعاني من اي مشكلة، الوصول إلى قواعد بيانات ضخمة ومتنامية من المعلومات حول الحالات الصحية لعامة الجمهور سوف تسمح برصد المشاكل قبل وقوعها، وإعداد العلاجات سواء الطبية أو التعليمية مقدما.
من خلال الشراكات بين المهنيين الطبيين والمتخصصين في البيانات، هذا يؤدي إلى عمل رائد مع القدرة على تحديق النظر في المستقبل وتحديد المشاكل قبل حدوثها. ومن الأمثلة على الشركات التي تم تشكيلها مؤخرا هي Pittsburgh Health Data Alliance والذي تهدف إلى أخذ البيانات من مصادر مختلفة (مثل السجلات الطبية والتأمينية، وأجهزة الاستشعار القابلة للارتداء، والبيانات الجينية، وحتى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي) لرسم صورة شاملة عن حالة المريض كفرد، من أجل تقديم حزمة الرعاية الصحية المناسبة.
لن يتم التعامل مع بيانات الشخص الواحد بمعزل عن الآخرين. سيتم مقارنتها وتحليلها جنبا إلى جنب مع الآلاف من الآخرين، وتسليط الضوء على تهديدات وقضايا محددة من خلال الأنماط التي تظهر خلال المقارنة. وهذا يتيح تنفيذ نمذجة تنبؤية متطورة، فالطبيب سوف يكون قادر على تقييم النتيجة المحتملة لأي علاج يفكر في وصفه مستخدماً بيانات المرضى الآخرين الذين يعانون من نفس الحالة والعوامل الوراثية ونمط الحياة.
مثل هذه البرامج هي محاولة الصناعة لمعالجة واحدة من أكبر العقبات في السعي للحصول على الرعاية الصحية القائمة على البيانات وهي أن الصناعة الطبية تجمع كمية هائلة من البيانات ولكن في كثير من الأحيان تعزل في الأرشيفات التي تدار بواسطة الأطباء، والمستشفيات، والعيادات، والإقسام الإدارية المختلفة.
وهناك شراكة أخرى تم الإعلان عنها للتو بين Apple and IBM. الشركتان تتعاونان على بناء منصة صحية قائمة على البيانات الضخمة والتي تسمح لمستخدمي اي فون وساعة أبل بمشاركة البيانات مع خدمة سحابة تحليلات الرعاية الصحية التابعة لـ IBM’s Watson Health. والهدف هو اكتشاف رؤى طبية جديدة من خلال الأنشطة الحقيقية والبيانات البيومترية الخاصة بالملايين من المستخدمين المحتملين.
ومن المرجح أن تتغير طريقة زيارتنا وتفاعلنا مع الأطباء في المستقبل القريب أيضا. التطبيب عن بعد (Telemedicine) هو طنانة في الوقت الراهن، وهو يشير إلى تلقي العلاج الطبي عن بعد، وعادة ما يكون في المنزل بمساعدة الكمبيوتر والاتصال بشبكة الانترنت. بالمعنى الدقيق للكلمة هو يمكن أن يشير إلى أي شيء بسيط مثل زيارة موقع webmd.com والتشخيص الذاتي، ولكن على نحو متزايد هذا سينفذ كخدمة one-on-one مع مهني مؤهل. يتم تقديم هذا النوع من الخدمة بواسطة Healthtap.
كل هذه التفاعلات بطبيعة الحال سوف تترك بيانات، والتي يمكن تحليلها لتوفير معلومات قيمة في الاتجاهات العامة في مجال الصحة العامة وطريقة الوصول إلى الرعاية الصحية.
البيانات الضخمة في التجارب السريرية
مجرد أن يقرر طبيبك أنه مهما كان ما تشكو منه فأن أفضل علاج يكون بواسطة الطب، فمن المرجح أن الحبوب والجرعة التي تقدم لك تم تصميمها بمساعدة البيانات الضخمة أيضا. سوف تتيح الكميات الهائلة من البيانات عن المتقدمين للباحثين اختيار أفضل المواضيع. ومؤخرا، أدت ترتيبات تبادل البيانات بين عمالقة الأدوية إلى بعض الاكتشافات مثل اكتشاف أن الديسيبرامين (desipramine)، الذي يستخدم بشكل شائع كمضاد للاكتئاب، له استخدامات محتملة في علاج بعض أنواع سرطان الرئة.
الطب الشخصي (Personalized medicine) هو موضوع آخر ساخن في مجال الرعاية الصحية. وهو يشمل تكييف الأدوية مع التركيب الجيني الفريد للشخص – ويتم تطويره من خلال دمج المخطط الجيني للشخص مع البيانات المتوفرة عن نمط حياته والبيئة، ثم مقارنتها جنبا إلى جنب مع الآلاف الأشخاص للتنبؤ بالأمراض وتحديد أفضل علاج.
كما تساعد البيانات الضخمة في مكافحة انتشار الأوبئة. في أفريقيا، فقد أثبتت بيانات موقع الهاتف المحمول أن لها قيمة عالية في الجهود المبذولة لتتبع تحركات السكان، مما ساعد على التنبؤ بانتشار فيروس الإيبولا (Ebola virus). هذا يعطي نظرة ثاقبة لتحديد أفضل المناطق لوضع مراكز العلاج وتطبيق القيود المفروضة على الحركة التي يتم وضعها عند الضرورة. وكانت هذه الاستراتيجيات رائدة في أعقاب زلزال هايتي عام 2010 حيث تم استخدامها للمساعدة في تخطيط الإغاثة في حالات الكوارث.
وبطبيعة الحال، تم اقتراح حل البيانات الضخمة للبحث عن الكأس المقدسة للطب (the Holy Grail of medicine) – علاج للسرطان. وقد طورت Flatiron Health خدمة تسمى OncologyCloud، والتي تستند إلى فكرة أن 96٪ من البيانات المتاحة عن مرضى السرطان لم يتم تحليلها بعد. وتهدف إلى أخذ هذه البيانات التي تم جمعها خلال التشخيص والعلاج، وجعلها متاحة للأطباء ليزيدوا من دراستهم.
الخصوصية والأمان
بطبيعة الحال، لا توجد بيانات ذات طابع شخصي أكثر من البيانات الطبية، لذلك يجب وضع ضمانات آمنة للغاية للتأكد من أن المعلومات تصل فقط لأولئك الذين يجب أن يطلعوا عليها. وعلى الرغم من ذلك، فإن اللصوص السيبرانيين يستهدفون السجلات الطبية بشكل روتيني، ويقال إنهم يحصلون على المزيد من المال من خلال البيانات الصحية المسروقة أكثر من أن يخترقوا تفاصيل بطاقة الائتمان. في شباط / فبراير، وقعت أكبر سرقة للبيانات المتعلقة بالرعاية الصحية من أي وقت مضى، عندما سرق قراصنة السجلات المتعلقة بـ 80 مليون مريض من Anthem والتي تعد ثاني أكبر شركة تأمين صحي في الولايات المتحدة. ولحسن الحظ فإنهم لم يأخذوا سوى معلومات الهوية مثل الأسماء والعناوين، ولم يتم الكشف عن تفاصيل الأمراض والعلاجات. ومع ذلك، هناك خوف من أنها ليست سوى مسألة وقت حتى يحدث خرق أمني على هذا النطاق الذي تخزن فيه سجلات المرضى. دعا بعض الخبراء، مثل الدكتور ليزلي ساكسون من مركز جامعة جنوب كارولينا لحوسبة الجسم (Body Computing)، إلى إنشاء منظمة دولية على غرار الأمم المتحدة، لتنظيم الخصوصية والأمان للقضايا المتعلقة بالبيانات الصحية.
على الرغم من ذلك، احتمال استخدام البيانات الضخمة بشكل جيد أكثر من احتمال أن تستخدم بشكل سيئ. إن الاتجاه المتزايد نحو مركزية البيانات الطبية يسبب القلق، ولكن طالما أن الخصوصية والأمان يمكن الحفاظ عليها، فمن المؤكد أن تلعب البيانات دورا كبيرا في تطوير علاجات جديدة كما يمكن أن تضيف إلى فهمنا المتزايد كيفية عمل أجسامنا، وكيف يمكننا التأكد من أنها تعمل على أطول فترة ممكنة.
*هذه ترجمة بتصرف من المقال الأصلي للكاتب Bernard Marr والمنشور على الموقع forbes