مع التطور الكبير الذي تشهده تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واتجاه مجالات الأعمال إلى الاعتماد عليه في أداء عدد من الوظائف واستخدام الآلة في الحصول على المعرفة والقيام ببعض المهام الابداعية، يرى البعض أن ذلك سوف يؤثر بشكل سلبي مستقبلاً على الذكاء البشري والقدرات المعرفية والإبداعية خصوصاً اذا لم يتم معالجة ذلك في مراحل التعليم العام والجامعي من خلال سياسات وتشريعات تعمل على حوكمة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يدعم تطور الذكاء البشري ويعزز نمو القدرات المعرفية والابداعية للوصول الى إنسان معزز بالذكاء الاصطناعي وليس العكس في واقع يكون فيه ذكاء اصطناعي معزز بالبشر فمثلاً عند استخدام مختص التسويق تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإعداد عرض تقديمي حول موضوع معين، هل سوف يٌستخدم الذكاء الاصطناعي لإعداد عرض تقديمي مميز يسعى ويخطط له الإنسان، ام سوف يتم الاكتفاء بمقترحات الذكاء الاصطناعي والاعتقاد بها كمخرج مناسب وهذا يعني التسليم بقيادة الذكاء الاصطناعي واشرافه على الأنسان بدلا من ان يشرف عليه الأنسان ويوجهه، وهذا بدوره يقود الى مخاوف مثل انه ليس كل الناس لديهم القدرة على مجاراة الذكاء الاصطناعي معرفياً ومهارياً وبالتالي سوف يجدون انفسهم موجهون به يعملون وفق مقترحاته وتوجهاته وتوصياته.
على الجانب الأخر، يعتقد اخرون أن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي للقيام ببعض الأدوار المعرفية والإبداعية سوف يعزز ويدعم الذكاء البشري والقدرات المعرفية والإبداعية وينقل الأنسان الى مستويات عليا من التفكير، حيث سيكون الذكاء الاصطناعي اداة في يد الأنسان يوظفها كيف يشاء للوصول الى الإبداع والابتكار فهو يمكن أن يلعب دور المساعد الافتراضي الذي يختصر الكثير من الوقت والجهد في جمع وتهيئة وتحضير المعلومات الأولية التي يمكن ان يستخدمها الأنسان كأساس ينطلق منه للوصول الى مستويات اعلى من المعرفة والتفكير والابداع. فمثلاً، قد يساعد الذكاء الاصطناعي مبرمج التطبيقات في الوصول نسخة أولية من الكود البرمجي اللازم لبناء تطبيق معين في بضع دقائق بدلا من ساعات او ايام ليكون الأساس لبناء تطبيق متقدم يتجاوز قدرات الآلة اصلاً.
وقد ذكرت مجلة (nature) في ورقة بعنوان “لا يزال أفضل البشر يتفوقون على الذكاء الاصطناعي في مهمة التفكير الإبداعي التبايني”، أن الإبداع كان يُنظر إليه تقليديًا على أنه من القدرات الحصرية للبشر. ومع ذلك، أدى التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى ظهور عدد من روبوتات الدردشة الذكية القادرة على إنتاج أعمال فنية عالية الجودة، مما أثار تساؤلات حول الاختلافات بين الإبداع البشري والإبداع الآلي. وقد تضمنت هذه الورقة دراسة شملت عينة من 256 شخص، حيث تمت مقارنة إبداع البشر مع إبداع ثلاثة روبوتات دردشة ذكية من خلال منهجية مهمة الاستخدامات البديلة (ِAlternate Uses Task). وقد طُلب من المشاركين إنشاء استخدامات غير شائعة ومبدعة للأشياء اليومية. وكانت النتيجة، في المتوسط تفوقت روبوتات الدردشة الذكية على المشاركين من البشر. فبينما تضمنت الاستجابات البشرية أفكارًا رديئة الجودة، أنتجت روبوتات الدردشة عمومًا استجابات أكثر إبداعًا. ومع ذلك، لا تزال أفضل الأفكار البشرية تتطابق مع أو تتجاوز أفكار روبوتات الدردشة. وفي حين سلطت هذه الدراسة الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز الإبداع، فإنها أكدت أيضًا على الطبيعة الفريدة والمعقدة للإبداع البشري الذي قد يكون من الصعب تكراره بالكامل أو تجاوزه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي [1].
[1] المصدر: مترجم بتصرف من (nature)